کد مطلب:239518 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:142

رأی الناس فیمن یتصدی للحکم
لعل من الواضح أن كثیرا من الناس كانوا یرون - فی تلك الفترة من الزمن - لقصر نظرهم، و قلة معرفتهم : أن هناك منافاة بین الزهد و الورع، و التقوی ، و بین المنصب، و أنهما لا یتفقان، و لا یجتمعان .



[ صفحه 246]



و قد رأینا الكثیرون یمتنعون عن تولی المناصب للحكام، لما یرونه من المنافاة المشار الیها .

و لعل سر فهمهم هذا : هو أنهم كانوا قد اعتادوا من الحكام التجاوز علی الحقوق، و الدماء و الأموال، و علی أحكام الدین، و النوامیس الانسانیة، بشكل عام . و الزهد و الورع لا یتلائم مع ذلك كله، و لا ینسجم معه ..

و لكن الحقیقة هی : أن لا منافاة بینهما أبدا ؛ فان الحكم اذا كان وسیلة لایصال الخیر الی الآخرین، و رفع الظلم عنهم، و اشاعة العدل، و اقامة شریعة الله تعالی ؛ فیجب السعی الیه، و العمل من أجله، و فی سبیله .. بل اذا لزم من ترك السعی الیه، تضییع الحقوق، و انهیار صرح العدل، و الخروج علی أحكام الدین ؛ فان ترك السعی هذا، یكون هو المنافی للزهد و الورع و التقوی ..

و لقد قاد النبی (ع) الامة، و قبله قادها سلیمان بن داود، و غیره، و بعده الامام علی بن أبی طالب، و ولده الحسن، ثم الحسین، و هكذا ..

و حال هؤلاء فی الزهد و الورع، لا یحتاج الی مزید بیان، و اقامة برهان . بل لم یكن علی ظهرها أزهد، و لا أتقی، و لا أفضل، و لا أورع منهم، عدوهم یعرف منهم ذلك تماما كما یعرفه منهم صدیقهم .. فعدا عن الأنبیاء الذین كانوا القمة فی الورع و الزهد و التقوی، نری الامام علی (ع) قمة فی ذلك أیضا ؛ و قد رقع مدرعته حتی استحیا من راقعها، و كان راقعها هو ولده «الامام الحسن (ع) » [1] و كان



[ صفحه 247]



یصلی فی بیت المال ركعتین شكرا لله، بعد فراغ المال منه . و كان یقول : « الیك عنی یا دنیا غری غیری، أبی تعرضت ؟!! الخ .. » و هو الذی قال فیه عدوه معاویة : « لو كان له بیتان : بیت من تبر، و آخر من تبن، لأنفق تبره قبل تبنه .. » [2] الی غیر ذلك مما لا مجال لنا لتتبعه و استقصائه ..


[1] راجع : الدرة النجفية ص 303، طبعة حجرية.

[2] ترجمة الامام علي (ع) من تاريخ ابن عساكر، بتحقيق المحمودي ج 3 ص 60-58.